الإنتاج الزراعي تراجع 50% بسبب سنوات الحرب
بعد سنوات الحرب التي دمرت بنية سوريا التحتية، وأسهمت في تراجع حاد للاقتصاد، يبرز قطاع الزراعة كرافعة محتملة تدعم اقتصاد البلد المنهك، وتعيده إلى عهد الاكتفاء الذاتي والتصدير.
ويسهم قطاع الزراعة بنحو 25% من الاقتصاد السوري الذي يبلغ حجمه حالياً 8 مليارات دولار مقارنة بـ68 مليار دولار في العام 2008.
وبعد أن كانت البلاد مكتفيةً ذاتياً خلال العقود الماضية، وكان قطاع الزراعة أحد أهم محركات الاقتصاد الوطني، تعاني سوريا بعد 14 عاماً من الحرب، تراجعاً حاداً في الاقتصاد، انخفض على إثره الإنتاج الزراعي بنسبة تزيد على 50%، نتيجة لتدمير البنى التحتية، وتحول أغلب الأراضي إلى ركام.
ومنذ تسلم الإدارة الجديدة الحكم في سوريا الشهر الماضي، تحاول دمشق لملمة اقتصادها، وسط تحديات تتمثل في نقص التمويل، وشح المياه، والتدهور الإداري، بحسب تصريح سابق لوزير الزراعة والاستصلاح الزراعي، محمد طه الأحمد، لوكالة «بلومبرغ» الأميركية.
وتعد سوريا دولة غنية بالموارد الزراعية، حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في البلاد نحو 13.4 مليون هكتار، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة السورية.
فيما تبلغ مساحة الأراضي المزروعة فعلياً نحو 6.5 مليون هكتار، ومساحة الأراضي المخصصة للرعي نحو 4.5 مليون هكتار.
ويتميز القطاع الزراعي في سوريا بتنوعه، حيث يتم زراعة مختلف المحاصيل، بما في ذلك القمح والشعير والشاي والقطن والزيتون. كما يتمتع القطاع الزراعي بالموارد المائية اللازمة، حيث يبلغ طول نهر الفرات نحو 675 كيلومتراً في سوريا.
لذلك، تعتبر الأراضي الزراعية في سوريا فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد السوري والنهوض به، إذ يعد القطاع الزراعي من بين القطاعات الرئيسة في سوريا، ومصدراً للعيش لِما يزيد على 30% من السكان.
في ضوء هذه المعطيات، برزت الحاجة في المرحلة الآنية إلى الاستثمار الزراعي. وبحسب مراقبين، فإن أي منتج زراعي سيُسْتَثْمَر بشكل صحيح في الأراضي السورية، سيعود بالنفع على الاقتصاد الداخلي من خلال تشغيل قرابة 20% من القوى العاملة والشباب السوري، وسيفضي إلى إنتاج ضخم يعود بالنفع على السوق.
أهمية الاستثمار
في هذا السياق، يقول الباحث والخبير الاقتصادي عمار اليوسف، في تصريح خاص لـ«إرم بزنس»، إن «النظام السابق ترك تركة كبيرة من فساد ودمار»، لذلك فإن حكومة الإنقاذ التي تولت المسؤولية قبل أسابيع، وتستمر حتى مارس المقبل، «لن تتمكن من إحداث أي تغيير».
وتابع «لا بدَّ أن تجابه الحكومة المؤقتة (منتظرة بعد حكومة الإنقاذ) المعيقات عبر رفع العقوبات الاقتصادية، وتأمين الاستقرار السياسي والأمني، وإعادة إعمار البنية التحتية، وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأخرى، وفتح آفاق الاستثمار، بجانب توفير فرص العمل للشباب السوري».
وأضاف اليوسف، أنه «من أولويات الحكومة المؤقتة تطوير البنية التحتية الزراعية وتدريب العمالة الزراعية، والاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة، من خلال إدخال أنظمة الري والبيوت البلاستيكية والآلات الثقيلة ومزارع الماشية إلى الأراضي السورية، والتي ستحتاج وفقاً للتقديرات إلى 16 مليار دولار للارتقاء إلى مستويات حديثة».
ومن ثم، شدد الباحث الاقتصادي، على «ضرورة تأمين حوامل الطاقة من (مازوت وبترول وكهرباء) للنهوض بالعمل الزراعي القائم على هذا الأساس، بالإضافة إلى إعطاء ميزات للمزارعين للرجوع إلى أراضيهم من خلال التسهيلات التمويلية ومنح القروض لإعادة استثمار أراضيهم خاصةً وأنهم يواجهون عقوبات متعلقة بالتصدير».
اليوسف قال أيضاً، إن «شعور الأمان الاقتصادي لدى المزارع السوري هو الأهم، يضمن الحماية الأمنية للأراضي من جهة، بحيث تقع تحت سيطرة الدولة أو الحكومة المركزية لمنع أي اعتداءات، ويضمن أمان المحصول الاقتصادي للمزارع من جهة أخرى، بحيث يحفظ حقوقه من أي خسائر».
كما تطرّق الباحث الاقتصادي، إلى الحاجة إلى تفعيل منظومات الحماية الزراعية، واعتماد خريطة زراعية، بحيث يتم تنسيق زراعة المنتجات بحسب المناطق، بجانب تطوير زراعة الفواكه والخضراوات، وإنتاج الزيت والزيتون، وتطوير قطاع الثروة الحيوانية، وكذلك الحال مع القطاعات الحيوية الأخرى.
فرص وتحديات
ويعد الأمن الغذائي من أبرز التحديات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل تغير المناخ وندرة المياه واختناقات سلسلة التوريد العالمية.
في هذا الإطار، تبرز سوريا كواحدة من أهم المنتجين الزراعيين التقليديين في المنطقة وعليها فتح آفاق الاستثمار مع كافة الدول لتجاوز الوضعية الحالية. لذلك، كان خيار الاستثمار من أهم العوامل التي سيستفيد منها المزارعون في سوريا، وسيسمح لهم بشراء معدات أكثر حداثة، وفق مراقبين.
لكن الظروف التي مرت بها البلاد أثرت بشكل كبير على الإنتاج. إذ يقول الباحث والخبير الاقتصادي اليوسف، إن المزارعين وأصحاب الأراضي عزفوا عن الزراعة في سوريا، وهُجروا إلى المدينة، للعمل في التجارة والتوظيف، نتيجة ضغوط ممنهجة مارسها نظام الرئيس السابق، بشار الأسد بحقهم من قبل الحرب، مثل عدم تأمين مستلزمات الإنتاج من طاقة وبذور زراعية ومبيدات حشرية.
وبحسب اليوسف، تضاعفت هذه العوامل بعد الحرب في 2012، بتراجع الأمن ووقوع أراضي في شمال البلاد تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما أدى لاحقاً لانخفاض كبير في قطاع الزراعة، وخروج سوريا من الخارطة الزراعية التي كانت تضمن الأمن الغذائي.
التراجع في قطاع الزراعة، دفع المواطنين والتجار لاستيراد المواد الغذائية من الخارج، وارتفعت إثر ذلك الأسعار بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، وصل كيلو الحمص إلى 15 ألف ليرة (1.15 دولاراً)، بعد أن كان يباع بـ 15 ليرة قبل الحرب.
وتراجعت قيمة الليرة السورية من 47 مقابل الدولار قبل الحرب في 2011 وصولاً إلى نحو 15 ألف ليرة للدولار حالياً.
قبل الحرب، كانت سوريا تنتج حوالي 4 ملايين طن من القمح سنوياً، وهو ما يكفي لتلبية الاستهلاك المحلي وتصدير فائض يبلغ حوالي 1.5 مليون طن إلى دول مثل الجزائر وتونس وإيطاليا.
ومع توسع الأزمة، انخفض الإنتاج بشكل حاد إلى 1.8 مليون طن في 2014. والأمر لم يتوقف عند القمح، فقد انخفض إنتاج الشعير من 747 ألف طن في المتوسط بين 2010-2014 إلى 594 ألف طن في 2014. أما إنتاج الذرة، فقد تراجع أيضاً بنسبة 15% خلال الفترة ذاتها.
طريق المستقبل
بصفة عامة، يتعين على الحكومة المستقبلية للدولة السورية، أن تعمل مع الجهات المانحة والمستثمرين للوصول إلى المزارعين ومساعدتهم.
وفي هذا الشأن، يقول عمار اليوسف: «لا بد من تحقيق شرطين مهمين للاستثمار الزراعي، يتمثل الأول في ثبات الليرة السورية مقابل الدولار. بدون ثبات العملة لا يمكن إيجاد مناخ جاذب للاستثمار».
أما الشرط الثاني، وفق اليوسف، فهو «الضمان القضائي القائم على حفظ حقوق المستثمر من أهم شروط تحقيق أمان الاستثمار الزراعي في سوريا».
والآثار الاقتصادية المتوقعة للاستثمار الزراعي في سوريا، هي تحسين الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وفق المصدر ذاته.
كما يعتبر الاستثمار الزراعي فرصة لتعزيز الأمن الغذائي في سوريا، وعودة الاكتفاء الذاتي، وتحسين الصحة العامة للسكان.