هل الأسهم الأميركية مكلفة حقاً؟ الإجابة نعم، إذا استندنا إلى مؤشر «العائد/السعر» (P/E) الذي ابتكره الاقتصادي روبرت شييلر. هذا المؤشر، الذي يقيس قيمة مؤشر «S&P 500» مقارنةً بأرباحه المعدلة حسب دورة النمو، قد يتجاوز أعلى مستوى له منذ فقاعة الإنترنت بنهاية العام إذا استمر حماس المستثمرين، فمستوى هذا المؤشر يعتمد بشكل كبير على آمال المستثمرين في الأرباح المستقبلية التي قد تحققها تقنية الذكاء الاصطناعي.
حتى الآن، فإن مؤشر (P/E) لشييلر لشهر ديسمبر لم يُعتبر نهائياً، إذ يعتمد في حسابه على متوسط أسعار إغلاق الأسهم الشهرية. رغم ذلك، ومع ارتفاع مؤشر «S&P 500» بنسبة 1% في الأيام الخمسة الأولى من الشهر، كان الرقم 38.24 في 6 ديسمبر، وهو مستوى مرتفع مقارنةً بالمتوسط التاريخي طويل الأجل الذي يبلغ حوالي 17.5، كما أنه يعد الشهر الثالث الأعلى في هذا القرن، فقد سجل شهرا نوفمبر وديسمبر 2021 أرقامًا أعلى: 38.58 و38.30 على التوالي.
ولكن، لا يزال هناك بعض المجال لتجاوز الرقم القياسي التاريخي لهذا المؤشر، الذي بلغ 44.2 في ديسمبر 1999 في ذروة فقاعة التقنيات الجديدة.
ويعود المستوى الحالي لمؤشر «P/E» لشييلر إلى أداء الشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا، التي ساهمت في نصف نمو «S&P 500» منذ بداية العام. وفي هذا السياق، يقول فلوران وابون، الاقتصادي في شركة «إيكوفي»: «الأسواق الأميركية مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي. يتوقع المستثمرون أن تنمو أرباح الشركات المرتبطة بهذه التقنية».
تثير هذه الحالة غير المعتادة بعض القلق بشأن تفسير هذا المؤشر، خاصة أن مؤشر «S&P 500» يبدو وكأنه يستفيد من الأداء الماضي، إذ يلجأ المستثمرون إلى الأسهم الأميركية باعتبارها ملاذاً آمناً عندما تفشل الأسواق الأخرى. وأضاف فلوران وابون أن التركيز الكبير لمؤشر «S&P 500» في عدد قليل من الأسهم يشوه التحليل قليلاً. ويجب أن نضيف إلى ذلك أن المستثمرين يتحفظون في الغالب تجاه الأسهم من مناطق جغرافية أخرى. لديهم شعور بعدم وجود بديل للأسهم الأميركية.
وتشير التدفقات المالية إلى أن معظم الاستثمارات هذا العام تركزت على الأسواق الأميركية، وفقًا لتقرير (Flow Show) من بنك «بوفا ميريل لينش»، وقد تسارعت هذه التدفقات بعد انتخاب دونالد ترامب.
يطرح التقييم المرتفع لمؤشر «S&P 500» تساؤلات حول نوايا المستثمرين. فالفرق بين العائد المعدل حسب التضخم لأسهم «S&P 500» والعائد الفعلي على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات يشير إلى أن العائد الحقيقي للأسهم الأميركية بلغ حوالي 1.5%، وهو مستوى منخفض تاريخياً.
رغم ذلك، لا يعطي مؤشر «P/E» لشييلر أي إشارات حول اتجاه الأسواق على المدى القصير، إذ لم يكن لهذا المؤشر أي قدرة تنبؤية على المدى القصير، ويُستخدم عادة لتقييم أرباح الأسهم على المدى الطويل. لكن، لا بد أن تتحقق آمال المستثمرين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لتبرير هذه التقييمات المرتفعة.
ويشير مؤشر «P/E» لشييلر إلى اعتماد الاقتصاد الأميركي بشكل كبير على شركات التكنولوجيا الكبرى، من خلال الجاذبية التي توفرها أسواق الأسهم وآمال الذكاء الاصطناعي. ويقول باتريك آرتوس، المستشار الخاص لشركة «أوسيّام»، إنه في حال تراجع التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي، قد يتأثر الاقتصاد الأميركي بشكل عام.
وكان آرتوس قد كتب في الأسبوع الماضي أن التشكيك بالذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم في الشركات التكنولوجية، مما يسبب تراجعاً في الثروة الشخصية، وانخفاضاً في تدفقات رأس المال، وبالتالي ظهور صعوبات في تمويل العجز الخارجي، مع انخفاض قيمة الدولار. ورغم ذلك، يظل توقيت السوق أمراً محفوفاً بالمخاطر، ويبتعد عن فلسفة مؤشر «P/E» لشييلر.