سجلت أسواق الصرف تقلبات حادة في بداية الأسبوع بعد أن تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة، وقرر تأجيل تنفيذ الزيادات الجمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك لمدة شهر، وفقاً لما ذكره بنك «ميتسوبيشي يو إف جي».
في المقابل، لم تكن الصين بالحظ نفسه، حيث دخلت زيادة جديدة بنسبة 10% في الرسوم الجمركية حيز التنفيذ بين ليلة الاثنين والثلاثاء.
وأوضحت مذكرة صادرة عن البنك أن قرار تأجيل الزيادات الجمركية على كندا والمكسيك أدى إلى انتعاش قوي في الدولار الكندي (CAD) والبيزو المكسيكي (MXN). فبعد أن بلغ سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدولار الكندي (USD/CAD) ذروته عند 1.4793 يوم الاثنين، عاد إلى مستوى 1.4400، حيث كان يتداول في نهاية الأسبوع الماضي.
بالمثل، تراجع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل البيزو المكسيكي (USD/MXN) إلى أدنى مستوياته الأخيرة بين 20.000 و20.500، بعد أن بلغ مستوى 21.293 يوم الاثنين.
كما شهد اليوان الصيني (CNH) انتعاشاً، على الرغم من دخول الزيادة الجمركية البالغة 10% حيز التنفيذ، حيث انخفض زوج USD/CNH من مستوى الذروة 7.3734 يوم الاثنين، لكنه لا يزال يتداول فوق مستوى 7.3000.
وأشار «ميتسوبيشي يو إف جي» إلى أن الدولار الأميركي تراجع بوجه عام، مما يعكس ارتياح الأسواق لتفادي تصعيد أكبر في الحرب التجارية في الوقت الحالي.
ويبدو أن هناك نمطاً واضحاً يتكرر، حيث يهدد ترامب بفرض رسوم جمركية على دول مثل كولومبيا وكندا والمكسيك في بداية ولايته الثانية، لكنه لم ينفذ ذلك فعلياً حتى الآن.
وأضاف البنك أن هذه التطورات تشير إلى أن التهديد بفرض الرسوم الجمركية يُستخدم أكثر كأداة تفاوضية لتعزيز موقف واشنطن في المفاوضات التجارية، وليس كهدف نهائي، باستثناء الصين التي شهدت بالفعل فرض زيادات جمركية خلال الولاية الأولى لترامب.
أكد الرئيس الأميركي أن تهديداته بزيادة الرسوم الجمركية أسهمت في تشديد الضوابط على الحدود الشمالية والجنوبية للولايات المتحدة.
وبعد محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أعلن ترامب أن كندا ستنفذ خطة أمنية حدودية بقيمة 1.3 مليار دولار كندي، تتضمن نشر مروحيات وتكنولوجيا متقدمة وزيادة التنسيق مع واشنطن لتعزيز ضبط الحدود ووقف تدفق مادة الفنتانيل.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الكندية عن هذه الخطة بالفعل في ديسمبر الماضي، فقد قرر ترامب تعليق الزيادات الجمركية لمدة 30 يوماً، مما يمنحه الفرصة «لرؤية ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق اقتصادي نهائي مع كندا»، وفقاً لـ«ميتسوبيشي يو إف جي»، الذي أشار إلى أن التركيز سيتحول الآن إلى العلاقات التجارية الثنائية.
أما فيما يتعلق بالمكسيك، فقد وافق ترامب على تأجيل رفع الرسوم الجمركية بعد محادثة مع الرئيسة كلوديا شينباوم، التي «وافقت على نشر 10 آلاف جندي مكسيكي على الحدود لمنع تدفق الفنتانيل والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة».
ومن المتوقع أن تُجرى المفاوضات خلال الثلاثين يوماً المقبلة، بإشراف وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك، إلى جانب ممثل رفيع المستوى من الجانب المكسيكي، بهدف التوصل إلى اتفاق تجاري جديد.
على النقيض من ذلك، ردت الصين سريعاً على قرار ترامب بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% من خلال فرض تعريفات جمركية على مجموعة من الواردات الأميركية، وإطلاق تحقيق ضد «غوغل».
وشملت الإجراءات الصينية فرض رسوم على النفط الأميركي والغاز الطبيعي المسال والآلات الزراعية، إلى جانب فرض قيود على تصدير المعادن النادرة وإضافة شركات أميركية جديدة إلى القائمة السوداء.
ورغم هذه الخطوات، وصف البنك التدابير الصينية بأنها «معتدلة نسبياً»، مشيراً إلى أن صادرات النفط الأميركية إلى الصين بلغت نحو 6 مليارات دولار فقط في عام 2024، مقارنة بـ525 مليار دولار من السلع الصينية التي تأثرت بالزيادة الجمركية الأميركية.
وحذرت مذكرة «ميتسوبيشي يو إف جي» من أن رفع الرسوم الجمركية بنسبة 10% قد يكون مجرد خطوة أولى، حيث هدد ترامب سابقاً بزيادة الرسوم على الصين حتى 60%. ومن شأن استمرار هذا التصعيد أن يؤدي إلى تراجع قيمة اليوان الصيني خلال العام المقبل، مع انعكاسات سلبية على باقي العملات الآسيوية والمرتبطة بالمواد الخام.
رغم التوترات، يرى «ميتسوبيشي يو إف جي» أن تأجيل الزيادات الجمركية على كندا والمكسيك قد يكون إشارة إلى أن ترامب سيتجنب فرض زيادات جمركية كبيرة على حلفاء واشنطن الرئيسين، خاصة أن صناعة السيارات في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك مترابطة بشكل وثيق، وأي اضطراب فيها قد يضر بالاقتصاد الأميركي نفسه.
لكن عدم اليقين بشأن السياسة التجارية لواشنطن لا يزال يشكل عائقاً أمام التجارة والاستثمار في المنطقة. كما أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي «في وقت قريب» يضيف مزيداً من الضغوط.
وعلى الرغم من أن التوقعات أصبحت أكثر تفاؤلاً بشأن عدم تنفيذ ترامب لهذه التهديدات، إلا أن كيفية تطور المفاوضات مع بروكسل ستظل عاملاً رئيساً يؤثر على أداء اليورو، الذي من المرجح أن يظل ضعيفاً على المدى القصير.
في المقابل، أبدى ترامب تفاؤلاً أكبر بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع المملكة المتحدة لتجنب فرض رسوم جمركية، وهو ما انعكس إيجابياً على أداء الجنيه الإسترليني. وأدت تصريحاته الأخيرة إلى دفع سعر صرف اليورو مقابل الجنيه الإسترليني (EUR/GBP) نحو أدنى مستوياته خلال العام الماضي بين 0.8200 و0.8300.