شهدت الأسهم البريطانية في نوفمبر تدفقاً إيجابياً للمرة الأولى منذ خمس سنوات، مما يشير إلى تحول محتمل في نظرة المستثمرين. جاء ذلك مدفوعاً بالتقييمات المنخفضة، والاستقرار السياسي، والمناعة النسبية للمملكة المتحدة تجاه تصاعد التوترات التجارية العالمية.
وبحسب بيانات «ليبر»، سجلت صناديق الأسهم البريطانية تدفقات داخلة بقيمة 779 مليون دولار في نوفمبر، وهو أول تدفق إيجابي شهري منذ أكتوبر 2020.
على مدى السنوات الأخيرة، دفع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاضطرابات السياسية، وضعف النمو الاقتصادي، المستثمرين نحو أسواق أكثر جاذبية مثل الولايات المتحدة، التي تهيمن عليها شركات التكنولوجيا الكبرى. وبحسب بيانات «بيل هانت»، انخفضت حصة الأسهم البريطانية في محافظ المستثمرين المحليين بشكل ملحوظ منذ أواخر التسعينيات، حيث تقلصت استثمارات صناديق المعاشات التقاعدية في الأسهم البريطانية من 44% في عام 1998 إلى 4% فقط في مارس الماضي.
يقول سيمون مورفي، مدير صندوق في «تايندال» إنه على الرغم من سنوات التحديات، فإن هذه الظروف خلقت فرصة استثنائية من حيث التقييمات، مشيراً إلى أن السوق البريطانية تبدو رخيصة مقارنة بمعظم الأسواق العالمية الكبرى.
يُتداول مؤشر «فوتسي 100» بمعدل 11.4 ضعف أرباح شركاته، مقارنة بـ 22.3 في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأميركي، و13.2 في «ستوكس 600» الأوروبي. ورغم التحسن النسبي منذ أدنى مستوياته عند 8.6 في عام 2022، لا يزال المؤشر أقل من متوسطه التاريخي البالغ 13.
ارتفعت الأسهم البريطانية بنحو 7% خلال 2024، مقابل مكاسب بلغت 9% لمؤشر «ستوكس 600» الأوروبي و28% لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأميركي. أما مؤشر «فوتسي 250»، الذي يركز على السوق المحلية، فقد حقق زيادة مماثلة بنسبة 7%. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، سجلت الأسهم البريطانية مكاسب بنسبة 15%، مقارنة بـ 28% للأسهم الأوروبية و94% للأسهم الأميركية.
شهدت المملكة المتحدة استقراراً سياسياً بعد فوز حزب العمال في يوليو الماضي، مما زاد جاذبية السوق البريطانية. وترى إيما موريارتي، مديرة محفظة في «سي جي أسيت مانجمنت»، أن الحكومة الجديدة قد تعمل على تعزيز الاستثمارات طويلة الأجل في الأسهم البريطانية، خاصة في قطاع التقاعد، كما أشار وزير المالية في خطابه الأخير.
تبدو المملكة المتحدة أكثر استقراراً مقارنة بألمانيا وفرنسا، اللتين تواجهان اضطرابات سياسية واقتصادية. ويرى إدوارد كينيدي، رئيس إدارة المحافظ في «مارلبورو»، أن المملكة المتحدة توفر بيئة أقل تقلبًا، مما يجعلها خيارًا جاذبًا للمستثمرين الأوروبيين.
أما على الصعيد التجاري، فتبدو بريطانيا أقل عرضة للتأثر بالتصعيد التجاري الأميركي. ورغم أن الولايات المتحدة تمثل خمس التجارة البريطانية، فإن غالبية الصادرات البريطانية إلى أميركا تتركز في الخدمات وليس السلع، مما يجعلها أقل عرضة للتغيرات في سياسات التعريفات الجمركية.
وساهمت التقييمات المنخفضة للأسهم البريطانية في زيادة صفقات الاستحواذ، حيث بلغت قيمة هذه الصفقات 167 مليار دولار خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من العام، بحسب بيانات «مجموعة بورصة لندن». وجعل ذلك بريطانيا ثالث أكثر الدول استهدافاً عالمياً في صفقات الاندماج والاستحواذ، بعد الولايات المتحدة والصين. تُظهر هذه المؤشرات أن السوق البريطانية تستعيد تدريجياً بريقها، ما يعزز الآمال بعودة الثقة إليها واستقطاب المزيد من الاستثمارات في الفترة المقبلة.