تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأنها ثاني أسرع أسواق الألعاب الإلكترونية نمواً على مستوى العالم، بعد قارة أميركا الشمالية، وذلك بفضل الفئة السكانية الشابة المتحمسة والدعم الحكومي الراسخ وقطاع الرياضات الإلكترونية المزدهر.
وتوفر المنطقة، التي تتراوح أعمار أكثر من نصف السكان تحت سن الـ30، أرضاً خصبة لازدهار بيئة الرياضات الإلكترونية، ما يقدم فرصاً فريدة لتحويل المشهد التعليمي من خلال تسخير قوة الرياضات الإلكترونية؛ لتعزيز التعلم وتطوير المهارات.
وتطورت منظومة الرياضات الإلكترونية التنافسية المنظمة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ تجاوزت أكثر الألعاب شهرة، مثل «ليغ أوف ليجيندز»، «أوفرواتش»، و«فورتنايت» كونها مجرّد أنشطة خارج المنهج الدراسي لتصبح مؤهلات مهنية معترفاً بها.
وفيما يتعلّق بالجامعات، تساعد مبادرة الرياضات الإلكترونية الجامعية في تطوير المواهب الشبابية وتسليط الضوء على مزايا الرياضات الإلكترونية في تشكيل مستقبل الطلاب المهني.
ومع توقع تجاوز إيرادات قطاع الرياضات الإلكترونية العالمي 1.86 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، يرى المعلمون بشكل متزايد إمكانات الرياضات الإلكترونية لإعداد الطلاب للعمل في مستقبل رقمي للغاية.
ويتصدّر اللاعبون الشباب، الذين تشكلت شخصياتهم، وتعززت إمكاناتهم وتجاربهم عبر الإنترنت خلال فترة الوباء، هذا التحول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فيما تتوجه القيادات الأكاديمية نحو دمج الرياضات الإلكترونية في مساراتها لتعزيز المهارات الأساسية، مثل الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات، والتي تعد ضرورية للنجاح في عالم اليوم سريع التطور.
تدرك المؤسسات التعليمية بشكل متزايد قيمة الرياضات الإلكترونية ودورها في تعزيز المهارات القيّمة.
فعلى سبيل المثال، نفّذت ما يقارب عن 40% من المناطق المدرسية في الولايات المتحدة الأميركية برامج الرياضات الإلكترونية بحلول عام 2024.
وتتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقاعدة كبيرة من اللاعبين تبلغ 377 مليون لاعب، ما يجعلها بمكانة فريدة للاستفادة من هذا الاتجاه.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يقضي الأطفال والمراهقون 8 ساعات يومياً على أجهزتهم، ويشكل هذا الشغف فرصة قيّمة للمعلّمين لتصميم وتقديم تجارب تعليمية ملهمة.
ومن خلال دمج الرياضات الإلكترونية في المنظومة التعليمية، تساعد المدارس الطلاب على صقل المهارات الأساسية مثل التفكير الاستراتيجي والعمل الجماعي والمرونة.
وتساهم العديد من المبادرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتمهيد الطريق لدمج الرياضات الإلكترونية في البيئة التعليمية.
وفي المملكة العربية السعودية، تقدم الأكاديمية السعودية للرياضات الإلكترونية مجموعة من البرامج الشاملة بالتعاون مع نخبة من الشركاء الدوليين لإعداد الطلاب لمهن في قطاع الرياضات الإلكترونية.
وبالمثل، تعمل أكاديمية الرياضات الإلكترونية وتصميم الألعاب التي أطلقتها مؤسسة «جيمس» للتعليم، على مساعدة الطلاب لاستكشاف مسارات مهنية داخل قطاع الألعاب الإلكترونية.
كما أنّ للسياسات الحكومية دوراً حاسماً في دعم دمج الرياضات الإلكترونية في المسارات التعليمية.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية في السعودية إلى ترسيخ مكانة البلاد كمركز عالمي للألعاب الإلكترونية بحلول عام 2030.
وتشمل الاستراتيجية 86 مبادرة وُزِّعَت على 8 محاور، بينما تتضمن الأهداف الرئيسة تطوير أكثر من 30 لعبة تنافسية في الاستوديوهات المحلية، ما يستحدث أكثر من 39,000 وظيفة جديدة في القطاع.
كما استضافت البلاد كأس العالم للرياضات الإلكترونية العام الماضي، ما أدى إلى دمج الرياضات الإلكترونية في المشهد الثقافي والاقتصادي للمنطقة.
وبدورها، تعمل دولة الإمارات، بفضل إطارها التنظيمي القوي، على تعزيز تطوير الألعاب والرياضات الإلكترونية من خلال مبادرات مثل مركز الألعاب الإلكترونية التابع لمركز دبي للسلع المتعددة، والذي يستضيف 100 شركة ألعاب.
وبالإضافة إلى استضافة مهرجان دبي السنوي للرياضات الإلكترونية، تخطط دبي لاستحداث 30,000 وظيفة في مجال الألعاب والمساهمة بمبلغ مليار دولار أميركي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2033، ما يعزز مكانتها الريادية في المنطقة.
كما تساهم الاستثمارات الكبيرة في الشركات الناشئة في مجال الألعاب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتغذية توسع القطاع.
بطبيعتها، تتطلب الرياضات الإلكترونية المعروفة بـتعقيداتها وسرعة تغيرها وتطورها مجموعة واسعة من المهارات لتحقيق النجاح.
ويتعين على اللاعبين إتقان اللعبة بشكل تام، والتخطيط الاستراتيجي بشكل فعال، وتوقع تحركات الخصوم والتكيف معها، واتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط.
وتعمل هذه الأنشطة على تنمية مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والتقييم التي يمكن نقلها بسهولة إلى المسارات الأكاديمية والسياقات الواقعية.
على سبيل المثال، تعكس مهارات الملاحظة والتعرف على الأنماط واتخاذ قرارات قائمة على البيانات في أثناء اللعب نفس المهارات المطلوبة في العالم المهني مثل علوم البيانات والأبحاث الأكاديمية.
كما تعكس الرياضات الإلكترونية، خاصة الألعاب القائمة على الفرق، أهمية العمل الجماعي والتواصل، إذ تتطلّب من اللاعبين العمل نحو تحقيق أهداف مشتركة، والتفاوض، وإدارة النزاعات، والاستفادة من نقاط قوة الفريق، وهي مهارات أساسية للنجاح في البيئات المهنية والشخصية.
وتعمل هذه التجارب على تنمية مهارات العمل الجماعي والقيادة، وهي ضرورية للنجاح في سوق العمل اليوم.
وتكشف دراسة أجرتها مؤسسة «برايس ووترهاوس كوبرز» أن القيادة هي المهارة الناعمة الأكثر طلباً في المنطقة، إذ أعطاها 56% من المشاركين في الدراسة الأولوية.
وبالإضافة إلى ذلك، سلط 54% من المشاركين الضوء على الرؤية والتفكير الاستراتيجي باعتبارهما المهارات الأكثر أهمية للعامين المقبلين.
وتوفر الرياضات الإلكترونية منصة جذابة لسد هذه الفجوات وتجهيز الطلاب لتحديات مشهد العمل الحديث.
ومع استمرار ازدهار مشهد الرياضات الإلكترونية، سيوفر دمجها في المناهج التعليمية تجارب تعليمية جذابة للطلاب، ويزودهم بمجموعة من المهارات القيمة للمستقبل.
ويعتمد التنفيذ الناجح على التعاون المستمر بين قطاع الألعاب والمؤسسات التعليمية، والتركيز على تبني الابتكار لاستشراف مستقبل واعد يصبح فيه التعليم تجربة تفاعلية يركّز على الطلاب، ويمكّن المتعلمين من التفوق والنجاح في هذا العالم الحيوي سريع التطور.