وبعدما كان الحديث دائراً حول انحسار التضخم وتحديد موعد بدء خفض الفائدة الأميركية سواء في مارس أو يونيو، تغيرت لهجة صناع القرار في الولايات المتحدة إلى نبرة أكثر تشدداً حول إبقاء السياسة مقيدة لفترة أطول مع استبعاد احتمالية خفض الفائدة بأي وقت قريب.
وتترقب الأسواق صدور قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حول الفائدة والمؤتمر الصحفي لمحافظ البنك جيروم باول بحثاً عن أي مؤشرات أو دلالات بشأن مسار السياسة النقدية للبنك، وموعد خفض الفائدة الأميركية.
وبعيدا عن السيناريوهات المستبعدة على غرار رفع أو خفض الفائدة، فإن هناك سيناريوهين ترجحهما أسواق المال وبنوك الاستثمار العالمية وفقاً لتطور البيانات الأخير.
من المحتمل إبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول بكثير مما تعتقد الأسواقجي بي مورغان
يتمثل في تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند النطاق 5.25%-5.50%، مع الإشارة إلى اشتعال الضغوط التضخمية من جديد وتزايد المخاطر الصعودية على مستويات الأسعار، واستبعاد احتمالية خفض الفائدة بأي وقت قريب.
وفي هذا السيناريو، يتطرق رئيس البنك بالإشارة إلى استمرار ضغوط سوق العمل، وأن معركة كبح التضخم لم تنته بعد، إلى جانب التأكيد على أن الفيدرالي الأميركي لا يزال أمامه الكثير من العمل لإعادة التضخم نحو الهدف.
ويعد هذا السيناريو سلبياً على أداء الذهب والنفط والأسهم والأصول المسعرة بالعملة الأميركية، ومن المحتمل أن يصعد الدولار الأميركي أمام العملات المنافسة.
يدور السيناريو الثاني حول الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، مع التلميح بأن بيانات الشهور الأولى من العام الجاري هي بيانات استثنائية.
وفي هذا السيناريو من المحتمل أن يشر رئيس البنك جيروم باول إلى قرب انتهاء النهج التشديدي للبنك والبدء في خفض الفائدة الأميركية.
ويعد هذا سيناريو إيجابياً للذهب والنفط والأسهم والأصول المسعرة بالدولار، وفي هذا السيناريو، فإن الدولار الأميركي قد يشهد تحركات هبوطية قوية بالتداولات اللاحقة لصدور القرار.
الفيدرالي الأميركي ليست لديه الثقة الكاملة بعد لإعلان الانتصار بمعركة كبح التضخم المرتفعسوستيه جنرال
يأتي اجتماع الفيدرالي بالتزامن مع تحقيق الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً بنسبة 3.4% مع انتهاء الربع السنوي الرابع من عام 2024، بأفضل من التوقعات التي رجحت نمو الاقتصاد بنحو 3.2%.
وفي الوقت ذاته، ارتفعت مبيعات التجزئة 1.1% لشهر مارس فيما توقعت الأسواق نموها بحوالي 0.5% فقط، وأذكت هذه البيانات الإيجابية تفاؤل الأسواق حيال قوة النشاط الاقتصادي الأميركي رغم البيئة النقدية التشديدية.
في المقابل، اشتعلت الضغوط التضخمية من جديد، وظهر هذا بوضوح في بيانات التضخم لشهر مارس، التي كشفت عن نمو مؤشر أسعار المستهلك السنوي الأميركي بنسبة 3.5% من 3.2% بشهر فبراير.
وجاءت القراءة أعلى من توقعات الأسواق التي رجحت نمو التضخم السنوي إلى 3.4% فقط، لتؤكد أن تسارع نمو التضخم في شهري يناير وفبراير مجرد بيانات استثنائية؛ بل هي مشكلة حقيقية تواجه الاقتصاد والاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
الفيدرالي سيرفع سعر الفائدة ثلاث مرات في وقت لاحق من العام، والإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة على المدى القريبكوميرز بنك
لم تكن سوق العمل كما يتمناها الفيدرالي ضيقة لتكبح التضخم، حيث كشفت البيانات عن إضافة الاقتصاد الأميركي نحو 303 آلاف وظيفة، من 270 ألف وظيفة بشهر فبراير.
وجاءت قراءة مارس أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت لإضافة الاقتصاد نحو 200 ألف وظيفة، وهو ما قد يعكس زيادة الإنفاق الاستهلاكي وتأثير ذلك على ارتفاع الطلب، وبالتالي، ارتفاع الأسعار.
وفي نفس الوقت، ارتفع متوسط الأجور بالساعة بنسبة 0.3% على أساس شهري خلال مارس الماضي، بعدما حقق المؤشر نمواً بنسبة 0.2% خلال فبراير الماضي.
وتشير هذه البيانات إلى أن معركة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لكبح التضخم لم تنتهِ بعد، وفي ظل تسارع نمو التضخم واستمرار قوة الأوضاع بسوق العمل.
من المحتمل أن يخفض بنك الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام بوقت متأخر من شهر سبتمبرباركليز بنك
رجح بنك "جي بي مورغان" احتمالية إبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول بكثير مما تعتقد الأسواق.
وقال خبراء البنك: "قد لا يخفض الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة باجتماع يونيو، واستبعد خبراء البنك خفض أسعار الفائدة هذا العام، إذا لم ينخفض التضخم، مؤكداً أن الاحتياطي الفيدرالي ليس على عجلة من أمره".
واتفق مصرف "سوسيتيه جنرال" مع "جي بي مورغان" متوقعاً أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ليست لديه الثقة الكاملة بعد لإعلان الانتصار بمعركة كبح التضخم المرتفع، بالنظر لارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بشكل ملحوظ في الشهور الأولى من عام 2024 مقارنة بالنصف الأخير من العام السابق.
ويتوقع "كوميرز بنك" أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة ثلاث مرات في وقت لاحق من العام، والإبقاء على أسعار الفائدة المرتفعة على المدى القريب.
بينما توقع بنك يو بي إس (UBS)، أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات في العام الجاري، بمقدار 25 نقطة أساس بشهر يونيو وسبتمبر وديسمبر 2024.
ورجح بنك "باركليز" أن الاحتياطي الفيدرالي قد يكون أكثر تشدداً بشأن نهجه النقدي خلال الاجتماعات المقبلة، وأن يحافظ على موقفه التشديدي لفترة أطول من الوقت، متوقعاً احتمالية أن يخفض بنك الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام بوقت متأخر من شهر سبتمبر أو ديسمبر.
إذا استمر ارتفاع التضخم وقاوم الانخفاض فإن البنك المركزي بإمكانه إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطولجيروم باول
وفي غضون ذلك، علت أصوات الصقور داخل أروقة الفيدرالي متأثرة بالتطورات السلبية وتعثر التقدم بمعركة السيطرة على التضخم في الولايات المتحدة ما دفع البعض للتلميح باحتمالية رفع سعر الفائدة مجددا.
وقال أوستان جولسبي: "إن رفع سعر الفائدة أحد الاحتمالات المطروحة على الطاولة باجتماعات الفيدرالي الأميركي المقبلة، حيث لم ينجح البنك المركزي بعد في تحقيق هدف التضخم".
وقال نائب محافظ الفيدرالي الأميركي جون ويليامز: "إذا أجبرت البيانات الاقتصادية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على رفع أسعار الفائدة مجددا، فسيقوم البنك بذلك".
واستبعد جون ويليامز خفض الفائدة بأي وقت قريب، كما أوضح أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال أمامه المزيد من العمل كي يخفض التضخم.
وقال محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول: إن النهج التشديدي للسياسة النقدية سيستمر لفترة أطول، نافياً إحراز تقدم كبير بشأن معركة كبح التضخم خلال هذا العام.
وأضاف: "إذا استمر ارتفاع التضخم وقاوم الانخفاض فإن البنك المركزي بإمكانه إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول كلما دعت الحاجة لذلك".
اقرأ أيضاً- النفط يهبط لليوم الثالث رغم تلويح إسرائيل باجتياح رفح